حادث الزعاترة

زائر

بالصور والوثائق: قتيل الزعاترة.. غرق في النيل.. أم اغتالته يد الشرطة؟

سفير الغرام

كان
من الممكن أن يستسلم أهالي قرية الزعاترة بدمياط للتقرير الأمني عن وفاة
الشاب محمد رضا أنيس، فقد ذهب الشاب كما يؤكد التقرير لشراء مواد ممنوعة
من قرية السرو، وبينما يفعل ذلك وجد الشرطة تهاجم المكان فقفز في النيل
ليلقي حتفه غريقا.
لكن أهالي القرية الذين أعرفهم جيدا- فهي
مسقط رأسي وأهلها أهلي - رفضوا أن يصدقوا أن يكون الشاب قد غرق، لأن هناك
من الدلائل والشواهد من يقول إن يد مخبري الشرطة هي التي قتلته، وحتي
عندما خرج تقرير الطبيب الشرعي ليقول إن الوفاة كانت نتيجة إسفكسيا الغرق،
لم يلتفتوا للتقرير، ليس لأن لديهم ما يعرفونه عن الحادث فقط، ولكن
لمعرفتهم أن هناك حالة عامة من التواطؤ يدفعون ثمنها منذ سنوات.

منذ الحظة الأولي للحادث، والوقائع تتوالي أمامي، وهي وقائع متسقة تماما
مع ما جاء في تحقيقات النيابة، ومن خلال الصور والوثائق يمكن أن نرسم صورة
أخري لما حدث، خاصة أن القضية وصلت إلي مكتب النائب العام، حيث تقدم أشقاء
القتيل أماني وكمال رضا أنيس ببلاغ إلي النائب العام يوم الاثنين الماضي
من خلال محسن بهنسي المحامي ، طالبوا أن يتولي المحامي العام بدمياط
التحقيق في القضية، لأنهم لا يطمئنون لما يجري في النيابة الجزئية، ولأن
مكتب النائب العام رأي أن هذا من حقهم، فقد وافق علي طلبهم.

لكن ماذا حدث ودفع أهالي قرية الزعاترة المسالمين لأن يذهبوا إلي قسم
الشرطة، ويدخلوا في مشاحنات مع قوات الأمن التي جاءت من مديرية الأمن
لمواجهة مئات الغاضبين من الأهالي، نتج عنها في النهاية تلفيات في منشآت
وإصابات في بشر والقبض علي أكثر من عشرة مواطنين، حتي يقدمهم القسم
للنيابة علي أنهم من ارتكبوا الشغب وهاجموا قسم الشرطة.

كان الشاب محمد رضا أنيس وعمره 24 سنة قد خرج مع صديقه ربيع أحمد شحاتة
إلي مدينة السرو القريبة من مركز الزرقا، قسم الشرطة يقول إنه ذهب لشراء
البانجو، والأهالي يقولون إنه ذهب لشراء بعض مستلزمات زواجه الذي كان
سيتممه في الصيف القادم، لكن محمد لم يعد مرة أخري.

مساء الثلاثاء عرف أخوه كمال ما حدث، قال له ربيع شحاتة إن قوة من الشرطة
طاردته هو ومحمد عند السرو، وأنه استطاع أن يختبئ، لكنهم أمسكوا بمحمد
وسمع صراخه وهم يضربونه، وفجأة انتهي الصراخ، ذهب كمال إلي قسم الشرطة
ليسأل عن أخيه لكنهم قالوا له إنه ليس عندهم ولا يعرفون عنه شيئاً، وقد
حرر رضا الشاهد الأهم في القضية اعترافا خطيا بكل ما حدث، وأعتقد أن هذا
الاعتراف سيكون له وزنه.

وهنا الملاحظة الأولي، فلو أن قسم الشرطة كان صادقا فيما قاله فلماذا لم
يقل الحقيقة من أنه طارد محمد أنيس، وأنه قفز في النيل وغرق، علي الأقل
ليخلي مسئوليته وليذهب أهله ليبحثوا عنه حيث غرق، ثم إنه علي فرض أن قوة
من الشرطة طاردت مواطنا تعتقد أو حتي تتأكد من أنه مجرم، وقفز هذا المواطن
في النيل وغرق أمامها، هل من المعقول أن تمضي القوة تاركة إياه دون أن
تعرف مصيره؟

هناك كذلك ملاحظة أخري، وهي أن المنطقة التي قال قسم الشرطة إن محمد غرق
فيها، ليست منطقة غرق بالمرة، فالمسافة 40 مترا علي الأقل من النيل في هذه
المنطقة وأمام البيت المهجور هناك، لا يزيد عمق الماء علي 10 أمتار، وهو
ما يعني أنه من الصعب أن يغرق أحد فيها، ثم إن أهله بحثوا عنه أكثر من
مرة، مساء الثلاثاء وصباح الأربعاء ولم يجدوا أثرا لجثته في المنطقة كلها،
بل إنهم أخذوا مركبا وانتقلوا إلي الضفة الأخري ليسألوا هناك، فقد تخيلوا
أن يكون محمد سبح في النيل وانتقل إلي الشاطئ الآخر، لكن أصحاب الزرائب
هناك قالوا لهم إنه لم يروا أحدا يخرج من النيل.

كان لابد من العودة إلي قسم الشرطة بعد رحلة البحث المضنية هذه.

الأربعاء مساء، قابل كمال شقيق القتيل ضابط مباحث في قسم شرطة الزرقا اسمه
هشام، قال له أنا بحثت عن أخي في كل مكان ومفيش فايدة، فلو الواد عندكم قل
لي حتي لا نبحث عنه، فقال له: لا تبحثوا عنه وتعالوا بكره إن شاء الله
وأنا هأعطيه لكم (بالمناسبة هذا الكلام عليه أربعة شهود أحتفظ بأسمائهم)،
وفهم كمال أن أخيه في القسم، لكن ضابط المباحث وفي خطورة احترازية طلب من
كمال أن يحرر محضرا بتغيب أخيه، وهو المحضر الذي تم تحريره تحت رقم 510
لسنة 2010 إداري الزرقا.

الفهم وحده لم يكن الدليل الوحيد، فهناك شخص يدعي محمد عمارة يعمل في
بوفيه قسم الشرطة قال لبعض أهالي البلد إن محمد دخل القسم وأنه موجود فيه
بالفعل، وهناك شاهد (احتفظ باسمه أيضا) كان حاضرا ما قاله محمد عمارة.

ما بين الشد والجذب، وإنكار وجود محمد أنيس في القسم، وإصرار الأهالي علي
أنه موجود بدأت المشاحنات بين الأهالي وقوات الأمن، لقد احتشد الأهالي
أمام القسم، ويبدو أن المسئولين عنه أدركوا أن ثمة شيئاً يمكن أن يحدث
فطلبوا الاستعانة بقوات من دمياط فجاءت علي الفور، وأمام إصرار الشرطة علي
أن الشاب ليس موجودا لديهم، تطور الأمر إلي اشتباكات أثبتتها الشرطة في
محضر ووجهت أصابع الاتهام إلي أشخاص بأعينهم، رغم أنها لم تحاول ولو من
بعيد أن تثبت الإصابات التي تعرض لها المواطنون من جراء الاشتباكات، لكن
تحقيقات النيابة أثبتتها، والغريب أن كل الذين تم ضربهم من أهالي الزعاترة
أثناء الاشتباكات لم يحددوا من ضربوهم، لأن ضرب الشرطة كان جماعيا وقاسيا،
أما الشرطة فقد حددت ببراعة من ضرب ومن حطم من الأهالي.

أثناء الاشتباكات تلقي أمين الشرطة خالد عبد العزيز وهو من أهالي البلدة
مكالمة هاتفية علي تليفونه المحمول، من شخص مجهول، قال له: روح دور في
السرو وحدد له المكان الذي وقع فيه محمد، ذهب خالد بمفرده ليبحث عن محمد
لكنه لم يجده، وهو في طريقه إلي قسم الشرطة جاءه تليفون مرة أخري يطلب منه
أن يعود مرة أخري إلي مكان الحادث لأنهم وجدوا الجثة.

هنا لابد أن نفتح قوس، لم يستطع أحد أن يحدد من المتصل علي وجه التحديد،
لكن من كانوا مع أمين الشرطة وقتها سمعوه يتحدث لمن اتصل به قائلا: إنت
فين يا عبدالناصر؟ وعبدالناصر هذا واحد من مخبري قسم الزرقا، وقد قال إنه
موجود في طلخا يحضر فرحا هو وزميله المخبر مصطفي.

وهنا ملاحظة جديدة، فما الذي جعل المخبر عبد الناصر يتصل بخالد في هذا
التوقيت بالذات ويخبره بمكان غرق الجثة؟وهل من المعقول أن يكون المخبر في
فرح هو وصديقه مصطفي ويهتم بامر شاب قالوا إنه غرق، ثم والأهم من ذلك أن
هناك شهود عيان (أحتفظ بأسمائهم) رأوا عبد الناصر ومصطفي في قسم الشرطة
قبل أن تندلع الأحداث مباشرة، فهل منطقي أن يكون المخبرين في القسم وفي
الفرح في نفس الوقت، أم أن هناك من أراد أن يبعد المخبرين عن مكان الحادث
لحاجة في نفس يعقوب.

إن أشقاء القتيل لديهم اتهامات محددة ففي الشكوي التي قدموها للنائب العام
وبالنص: لقد تم القبض علي شقيقنا محمد رضا أنيس جاد الحق بقرية السرو
بتاريخ 9 فبراير 2010 الساعة العاشرة والنصف مساء بمعرفة مخبرين أحدهم
يدعي مصطفي الشهير بأبو رحمة والثاني يدعي فوزي والثالث يدعي عبد الناصر
واستقلوا سيارة ميكروباص تحمل لوحات معدنية رقم 4417 أجرة دمياط متجهين
إلي مركز شرطة الزرقا.

لو ربطنا بالطبع بين تفاصيل هذا الاتهام وبين ما جاء في المكالمة
التليفونية التي تلقاها خالد عبد العزيز، فيمكن أن تتضح الصورة أمامنا،
إنني لا أعرف أحد من هؤلاء المخبرين، لكن القصص الأسطورية التي سمعتها
عنهم كافية بفتح التحقيق معهم لمعرفة ماذا يفعلون، أحدهم تطارده شائعات
أنه قتل اثنين من قرية ميت الخولي عبد الله المجاورة لقرية الزرقا، وأنه
قتل ثلاثة عندما كان يعمل في بورسعيد، وأن ضباط قسم الزرقا يثقون فيه لأنه
رجل المهمات الصعبة.

لقد تخيلت وأنا أسمع هذه الحكايات الأسطورية عن هذا المخبر تحديدا أنني
أشاهد فيلم يوسف شاهين الأخير "هي فوضي"، الذي أدي فيه خالد صالح دور أمين
شرطة فاسد وقاتل ومرتش، والغريب أن ضباط القسم كانوا يخفون معالم جرائمه،
فعندما اتهم في جريمة اغتصاب، ساعده ضباط المباحث وقالوا إنه كان في هذا
التوقيت في مأمورية، ويستحيل أن يكون في مكانين في وقت واحد.

فهل حدث شيء مثل هذا في حادث قتيل الزعاترة، إن القسم يشير إلي أن هؤلاء
المخبرين كانوا قد حصلوا علي إجازة لمدة خمسة أيام، وأن الحادث وقع في
فترة الإجازة، فكيف يكونون في إجازة ويخرجوا في مأمورية، بل إن ناب
المأمور الذي شهد الوقائع كلها قال في تحقيق النيابة إنه لم تكن هناك
مأموريات في هذا اليوم علي الإطلاق، فهل يعيد المسئولون في قسم شرطة
الزرقا فيلم هي فوضي مرة أخري، أم أن في الموضوع ما لا نعرفه.

وصلت الجثة أمام القسم، ومنه إلي المستشفي، شهود العيان قالوا إن الجثة
ومع أول قلبة في المشرحة لم ينزل منها نقطة ماء واحدة، بل نزل منه دم،
فكيف يكون غريقا ولا تنزل منه نقطة ماء واحدة، ولا يبدو علي بطنه أنها
منتفخة من الماء، ثم إن من شاهدوه وصوروه من خلال كاميرات تليفوناتهم
المحمولة قالوا إنه كانت هناك خبطة في رأسه وجرح في رقبته، والصور كلها
موجودة ومتاحة وتحت طلب من يريدها، ثم إن الهيئة التي وصلت بها الجثة توحي
بأنه كان مربوطا من يديه وقدميه، وهذه هي الصورة الوحيدة التي سأنشرها
للجثة، فتكفي أهله الأحزان التي اعتصرتهم وهو يشاهدون جثته، فلا داعي لأن
نجدد الأحزان عليهم مرة أخري.

لكن ما الذي جعل الأهالي بكل هذه الثقة في أن ولدهم قتل في قسم الشرطة، إن
هناك شاهداً قوياً جدا في القضية (احتفظ باسمه أيضا)، كان واقفا خلف قسم
الشرطة، وأشار إلي أنه رأي من يخرج بالجثة من الباب الخلفي للقسم وأنه
حاول أن يستوقفهم ويتشاجر معهم، قال لهم أنزلوه، لكنه كان وحده ولم يستطع
أن يتصدي لهم.

لو صح كلام هذا الشاهد، فإن القضية تكون بذلك قد دخلت منحني خطيرا جدا،
فالمعني الواضح أن الشاب قتل علي يد المخبرين، وأنه خرج من القسم وألقي في
النيل لإخفاء معالم الجريمة، لكن هذا أمر لا يمكن أن نؤكده حتي النهاية،
لأن جهات التحقيق هي التي يمكن أن تصل إلي ذلك وتقرره.

لقد كانت هناك حالة من الإصرار علي أن ينتهي الموضوع، وأن تدفن الجثة، لكن
الأهالي أرادوا أن يعرفوا كيف مات ابنهم أولا، فحدثت اشتباكات مرة أخري،
تحولت القرية المسالمة فيها إلي ما يشبه الثكنة العسكرية والصورة يمكن أن
تتحدث.

إنني هنا لا أحمل اتهاما محددا لأحد، لكني أدعو فتح التحقيق من جديد، ليس
في واقعة القتل فقط، ولكن في وقائع كثيرة كشفت عنها هذه الواقعة، ومنها أن
هناك جزيرة للمخدرات بين السرو ودقهلة، يعيش فيها بعض تجار المخدرات الذين
عليهم أحكام، يعيشون في المراكب، لا تستطيع الشرطة أن تقترب منها لأن فيها
مقتلها، فأصبح كل ما تفعله الشرطة أنها تنتظر من يشتري المخدرات لتلقي
القبض عليه، فهل هذا معقول؟

كشفت الحادثة أيضا عما يمكن أن نسميه دولة المخبرين ليس في قرية الزعاترة
فقط، ولكن في جميع قري المركز، لن أتحدث عن الإتاوات، ولا عن حالة الرعب
التي يبثها المخبرون في نفوس الناس، لكن لابد من سؤال المخبرين سؤالا واحد
وهو من أين لهم ما يملكون، لقد تحولت قرية الزعاترة إلي قرية تحت احتلال
المخبرين، فلا أحد يستطيع أن يتحدث، ومن لا يدفع الإتاوة يتعرض للإهانة،
وهذه وقائع لابد من التحقيق فيها أيضا.

لكن الأهم والذي تفتحه هذه القضية، هو أن هناك من لا يجيد التصرف، إنني في
هذه القضية لا أدين الداخلية كلها، بل إنني أضع القضية كلها أمام وزير
الداخلية اللواء حبيب العادلي، فإذا كان هناك من أخطأ وقتل هذا الشاب
تعذيبا، فإن هذا خطأ فردي، ولابد أن ينال المخطئ جزاءه، إن مثل هذه
النماذج تهيل التراب علي صورة الداخلية كلها.

كان يمكن أن ينتهي الموضوع ولا يصل إلي كل هذا العنف إذا خرج من يخاطب
الناس بالحسني ويقول لهم إن هناك من أخطأ وأنه سينال عقابه، لكن ولأن هناك
من يصر علي أن يتعامل مع الناس وكأنهم مواطنون من الدرجة العاشرة لا حقوق
لهم، فإن ما حدث أمام قسم الشرطة يأتي طبيعيا جدا، رغم أنني أدينه وأرفضه،
لكنني في الوقت نفسه أحذر منه، فهو يمكن أن يتكرر في أماكن أخري، فالشعور
بالظلم قاس ولا تنتظروا من المظلوم أن يظل صامتا إلي الأبد.

إنني أضع الملف كله أمام النائب العام، والشهود الذين يخافون يمكن أن
يسألهم، فهناك أسرة تأكل النار قلبها يا سيادة النائب العام وتنتظر منك
كلمة تريحهم بها.. فافعلها من أجل الحق والعدل والرحمة.

زائر

هذا حقيقى وواقعى وشاهده بنفسى لانها بلدى

شكرا على مجهودك الرائع يا خالد

زائر

زائر

» عاطل يقتل أحد رواد مقهى بقرية «الزعاترة» بدمياط ويصيب اثنين
» بالصور حادث مروع مصرع وفقد 12 مصريًا بعد غرق مركب هجرة غير شرعية بكفر الشيخ